الاثنين، ٣٠ آب ٢٠١٠

فنّ الاعتذار

Imam Hussain Youth Foundation

http://www.imamhussainyouth.org








فنّ الاعتذار

وقبول العذر











محمود الموسوي





















جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الثانية (منقّحة ومزيّدة)

1429هـ ـ 2008م



الطبعة الأولى

1424هـ































بسم الله الرحمن الرحيم





















المقدّمة



السلوك الإنساني ليس قيمة دينية حضارية فحسب، بل هو فنّ يحتاج إلى الإتقان، والإتقان يحتاج إلى وعي بمضامين هذا السلوك، ويحتاج إلى ممارسة وتمرين النفس على أدائه، لتصبح تلك السلوك سمة تلقائية لتصرفات الإنسان.



وإتقان السلوك الإسلامي الحضاري يساهم في تكوين المجتمع وتصحيح العلاقات فيما بين أفراده، ليسيروا في عملية تكاملية تعاونية لبناء الحياة في شتّى مجالاتها بأفضل ما يكون البناء، (فإن يد الله مع الجماعة)، كما يقول الرسول الأكرم (ص).



والسلوك الأمثل هو أيضاً دعوة للدين الحق والقيم الحقّة والسلوك الحق، من خلال ممارسة أسمى قواعد المعاملات مع الناس لتكون مظهراً اجتماعياً، نابعاً من الوعي لقيم الدين ومقاصده، وهي بذلك دعوة غير مباشرة للانضمام تحت مظلة هذا الدين القويم، كما في الحديث: (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم) .



فإتقان السلوك الحضاري بعبارة أشمل تختزل فيها كل معانيه ومنطلقاته ومراميه هو: فن ممارسة الحياة بأفضل صورها.



وفن الحياة..أن تتقن السلوك الحضاري النابع من قيم السماء إلى أبناء الأرض.



محمود الموسوي

1420 هـ / 1999م.

بني جمرة / البحرين



















































فنّ الاعتذار

























































فنّ الاعتذار



بدأت المشكلة ذات صباح حين تلقت (سامية) تعليمات جديدة صعبة من مديرها في العمل. وقيل لها إنه ينوي تعجيزها خلال الأسابيع القليلة القادمة. فكّرت (سامية): "إنه لمستبدّ ظالم لا همّ له سوى العمل. كيف يكون المرء قاسياً إلى هذه الدرجة؟".



وطبعت رسالة على جهاز الكمبيوتر وجّهتها إلى زميلة متفهّمة شكت لها فيها قسوة هذا الرجل الآلي، وأرسلتها عبر شبكة المكتب إلى كمبيوتر زميلتها، أو هي ظنّت أنها فعلت كذلك.



أدركت (سامية) خطأها قبل لحظات من رؤية وجه مديرها عبر زجاج الغرفة، وقد ارتسمت عليه آثار صدمة عميقة ولوّنته حمرة الخجل.



فهي بعثت الرسالة إليه بدل أن ترسلها إلى زميلتها..

أخذت (سامية) بضعة أنفاس عميقة، ثم بعثت برسالة سريعة إلى مديرها تطلب مقابلته، فوافق، والتقى الاثنان في غرفة مؤتمرات خالية.



قالت (سامية): لم أقصد إرسال هذه الرسالة إليك طبعاً. إنني آسفة حقّاً. وشرحت له أن تعبير "الرجل الآلي" لم يكن سوى وسيلة كاريكاتورية لوصف تعاليه ومعاملته الخالية من أي شعور.



شعر المدير بالامتنان عندنا سمع (سامية) تعتذر بكلمات معقولة، ووعدها بأن يكون أكثر تفهّماً. وقال: لننسَ كل ما حصل فور خروجنا من هنا "وقد حافظ على وعده، ووجدت سامية منذ ذلك اللقاء سهولة أكبر في التعامل وإياه"



***



أغلبنا يواجه مشاكل كمشكلة سامية ومواقف مشابهة أكثر حساسية طوال أيام السنة، سواء مع مدير العمل، أو مع صديق، أو ما بين أفراد العائلة أو حتى بين أشخاص لا نعرفهم نصادفهم أمام محطّة الباص أو في المكتبة العامّة أو حال التسّوق.

ولأن الإنسان لدية القابلية للخطأ بطبيعته الفطرية، فإنه معرّض دوماً للخطأ أمام الآخرين أو في حقهم، نتيجة جهل أو سهو أو سوء تقدير أو ما شابه، فأغلبنا صادفته مواقف مثل (سامية) في القّصة.. لكن هل جميع من يجد نفسه في مثل هذه المواقف أمام الآخرين يتعامل بذات التعامل الذي قامت به سامية؟



النتيجة التي سنخرج بها لقاء الإجابة على هذا السؤال هي النفي، فأغلب الناس عندما يخطئون في حق الآخرين لا يعترفون بخطئهم، وأن القلّة ممن يعترفون يخطئهم، لا يلجئون للاعتذار كطريق لتصحيح ما صدر عنهم، بل وإن من يعتذر قد لا ينجح في تحقيق نتائج مرضية كما حققته (سامية) في القصّة من اعتذارها، فتذهب عملية الاعتذار أدراج الرياح، فلا يصب في مجرى تعديل السلوك لدى الطرف والطرف المقابل.



هذا لأن الاعتذار ليس كلمة تتلفظ بها شفاهنا عندما ترتكب إحدى جوارحنا خطأ ما.



إنه ليس قولنا كلمة (أعتذر) عندما نجرح مشاعر إنسان، ونولّي في حال سبيلنا.. إن الاعتذار الناجح يتكوّن من مجموعة من السلوكيات الفنية التي ينبغي أداؤها كاملة وبكلّ دقة.

فهي تحتاج إلى الموازنة بين الجانب العقلي الذي يهتم بالسلوك ونوعيته ومدى صوابيّته وخطئه، وما إذا كان تعدّياً على الآخرين أو لا، وبين الجانب النفسي الذي يهتم بالطرف الآخر ومدى تأذّيه من ذلك الفعل أو الموقف، وكيف يقوم بإصلاحه وترميمه بأفضل الحلول، لتعود العلاقة سليمة كما كانت وأفضل منها.































دائماً للآخرين حقوق



في ميدان التعامل مع الناس يحتاج الإنسان دائماً إلى التخطيط لمواقفه وأقواله بدقة متناهية، حتى لا يقع فريسة الخطأ، لأن للآخرين حقوقاً علينا أن نؤدّيها ونحترمها، كما أن لنا حقوقاً نتمنى من الجميع مراعاتها وإحاطتها بالاحترام، وهذه الحقوق متشعبة بتشعّب المواقف، وملازمة للأشخاص جنباً إلى جنب، فالمرء الذي يصاحبك في السفر – مثلاً – له عليك حقّ الصحبة، فضلاً عن احترام كرامته كإنسان، وعندما تتبادلان أطراف الحديث، فمن حقّ كل واحد منكما أن يصغي للآخر ويتنبّه إليه، وإذا أسرّ إليك شيئاً فمن واجبك تجاهه أن تكتم سرّه ولا تذيعه، وهكذا فكلّما تفرّعت العلاقات تفرّعت منها غصون الحقوق، وفي الحديث: (أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدّهم قضاءً لها أعظمهم عند الله شأناً) .



ولذلك ينبغي علينا عندما نخترق حقوق الآخرين ونخطأ في حقهم، أن نسارع ونبادر بتقديم الاعتذار، لأنه بمثابة علاج لأخطائنا وتكفير عمّا بدر من تعاملنا السلبي تجاههم، لكي لا تستشري المشكلة في روح العلاقة.



وإذا أردنا أن نعي مقدار الأهمية التي تنالها حقوق الناس، ينبغي أن نضع أنفسنا مكان الطرف الآخر، لنستشعر حاجتنا لحقوقنا التي نأمل من الطرف المقابل أن يقدّرها ويلتزم بأدائها، فأنت تريد أن تبدي رأيك، وتطلب احترام الناس لما تبديه من رأي تجاه القضايا المختلفة، ولا شك أنه سيسعدك إذا لم يتخطاك أحدهم حالما تكون في قاعدة انتظار دورك في مستشفى أو وزارة أو متجر.

فالآخرون كذلك يتمنون كل ما تتمناه، ويتمنون تركك كل ما تمنيت أن يتركونه في تعاملهم معك.

فـ (كفى بك تركك ما كرهته من غيرك) .





































الاعتذار ليس عيباً



يعتقد الكثير من الناس أن تقديم الاعتذار يعدّ من العيوب التي تعلق بالشخصية، أو هو منقصة للنفس، وتحقير لها أمام الآخرين، ويعتقدون أنه بمثابة تسليم أعناقهم للسيّاف!



تقول (س.ع) وهي طالبة في الثانوية العامّة إنني لم أعتذر لمدرَّسة قطّ، ولا يمكن أن أقوم بهذا العمل إطلاقاً، وكذلك أغلب الطالبات يفعلن ذلك رغم أننا دائمو الخطأ..)، كما أن الكثير من الناس لا يعتذرون لأصدقائهم باعتقاد أنهم سيكونون صغاراً في أعينهم على حدّ فهمهم وإدراكهم، برغم أن هذا الشعور لا يمت إلى الحقيقة بصلة، فإن (الاعتراف بالخطأ فضيلة) ومنقبة من مناقبك التي تستحق الثناء عليها.



فعليك أن تعي أمرين:

ألأول: أن الاعتذار في حالة الخطأ، هو (حق) من حقوق من أخطأت بحقه، ولهذا عليك أن تؤديه لصاحبه، فهو فاتورة مستحقة الدفع في الحال.



الثاني: هو واجب عليك القيام به، فمن يسلب الناس حقوقهم ولا يؤدّي واجباته على أكمل وجه هو الشخص المعاب في المجتمع، وهو الناقص الذي سلّم عنقه لسيوف كافة الناس، أمّا الذين يؤدّون واجباتهم وحقوق الآخرين حتى لو كان ذلك (اعتذاراً) فهؤلاء هم الذين يستحقون لقب الفضيلة.

فالعيب هو التشبّث بالخطأ والمداومة على تعاطيه.















صورتك في المجتمع



هل تعلم أن سلوكك هو الذي يحدد ملامحك أمام الآخرين؟



إن عدم الاعتذار في حال كوننا مخطئين، يجعلنا نرضى بالخطأ بل ونتمادى في ممارسته، أمّا ممارسة الاعتذار في تلك الحالة فضلاً عن استنكارنا لفعلنا الخاطئ والتبرّؤ منه، فهو أيضاً لكي لا يكون مأخذاً سلبياً يؤخذ علينا في معاملتنا مع الآخرين، فالأخطاء تتراكم وتتراكم، فترسم صورة سوداء داكنة لنا أمام الآخرين.

فإذا قدّمنا الاعتذار سيكون أيضاًَ تصحيحاً للخطأ بل محوه من الوجود، فعندما تعتذر لمن أخطأت بحقه، فكأنك لم تخطئ لأنك محوت ذلك الخطأ من الناحية النظرية التي ينبغي أن لا تغادر ذهنك، أنه بمثابة درس تتعلّم منه عدم الوقوع ضحية ذلك الفعل مرة أخرى، لترسم لنفسك صورة ناصعة في المجتمع.

لذلك فـإنه (ما أذنب من اعتذر) .































لا تخسر أخاك



قد يكلّفك عدم الاعتذار خسران أعزّ أصدقائك، فإننا على أي حال بحاجة ماسّة لعلاقاتنا بالآخرين، حتى إن لم يكونوا أصدقاءنا بالمعنى الحميمي، لأنهم ثروة يمكن الاستفادة منها في أي وقت نشاء، ولا ينبغي أن نفرّط في أي شخص نلقاه، فامتناعنا عن الاعتذار سيكلفنا خسارة أحد الأشخاص وربّما أكثر من ذلك.



الكثير من الذين جالستهم يأسفون على خطئهم في حق بعض أصحابهم في أيام الدراسة، ويتذكّرون أنهم كان بإمكانهم كسب هؤلاء الأصدقاء بكلمة واحدة وهي (أعتذر عن ما بدر مني)، لكن فات الأوان بعد أن مضت السنين على تلك الحادثة.



ومن أولئك شخص يقول متذكراً أنه في الفصل الدراسي وقبل عشر سنوات أخذ يمزح مع أصدقائه الطلبة، بسحب الكرسي عنهم حال جلوسهم دون علمهم، فيقع الطالب أرضاً، وقد قام بهذا الفعل لأحد أصدقائه المقرّبين، ولكنه فوجئ برد فعل لم يتوقعه من صديقه، حينها غضب منه ولم يكلّمه إلى نهاية الدراسة..



رغم أن الحل كان بسيطاً إلا أنه لم يكلّف نفسه عناء الذهاب لصديقه والاعتذار إليه، ليشفي صدره من الم الغضب، ليستمتع بصحبته ويكسبه في حياته المستقبلية.. هو الآن يعمل في شركة كبيرة ويضحك من نفسه، ويتمنى أن تتراجع عجلة الزمن، ليقوم بما لم يعِ فائدته من قبل، ولكن الفرص تمرّ مر السحاب.















إياك وما يعتذر منه



صحيح أن الاعتذار فضيلة ينبغي التحلّي بها، إلا أنه في ذات الوقت ثقيل على نفس الإنسان، بحيث يصعب على النفس أن تتعامل معه بشكل طبيعي وتلقائي، فهو فضيلة بعد أن يخطئ الواحد منّا، لكنه قبل ذلك فهو محذور ينبغي اجتنابه والابتعاد عن أسبابه، من خلال عدم الوقوع في ما يجعلنا في المواقف التي تحتّم علينا الاعتذار، فإن (الاستغناء عن العذر أعزّ من الصدق فيه) كما يقول الإمام علي عليه السلام.



هذا فضلاً عن الأثر السلبي لتوالي الاعتذارات وكثرتها، فينبغي أن يتحاشى الشخص كثرة الهفوات التي تجرّه إلى ساحة الاعتذار للآخرين بشكل مفرط، فقد جاء في الحديث المأثور عن الإمام الحسين عليه السلام: (إياك وما يعتذر منه، فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر) ، فالعادة التي يمارسها المنافق هي الإساءة للناس فيضطر للاعتذار، فعلى المؤمن أن لا يتشبّه في سلوكياته بالمنافق.



ومن أجل ذلك ينبغي أن نذكر مجموعة من الخطوات العملية في سبيل تحاشي الوقع في شباك الزلل وكل ما يؤدي للاعتذار.



1. ثقافة الصواب والخطأ

إن أول خطوة نحو تحاشي التيه في زقاق الأخطاء هي استنارة العقل بثقافة ما هو صواب وما هو خطأ، بحيث نمتلك القدرة على تصنيف الأعمال والألفاظ، وإدراجها في ما تؤدّيه وما ينتج عنها من مصلحة للناس أو ما يشكل إساءةً لهم، ولا تتأتى تلك القدرة إلا بالاطلاع على الثقافة السليمة والثابتة التي نتمكّن من قياس تصرّفاتنا وفق معاييرها.



فإن استعمال أدوات الغير من حق الغير، وليس من حقنا، وإهانة الآخرين لا تجوز، لأن الله ضمن للناس الكرامة وحق التملك، وكذلك من حق العاِلم التوقير، وفي الحوار بين اثنين ينبغي التناصف في الحديث، وأمثال هذه القواعد السلوكية التي نصّ عليها الدين الإسلامي الحنيف في القرآن الكريم والسنّة المطهرة.



قال رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم: (العلم أمام العمل والعمل تابعه) .



2. فكّر قبل أن تنطق

عندما تواجه موقفاً معيّناً لا تقم بإبداء رأيك سريعاً، فإن فلتات اللسان تحمل في طيّاتها المعاني التي تختلجها نفسك في تلك اللحظة وما تشعر به قبل ذلك، فإن كان الموقف سيئاً وأنت مستاء منه، ففي التصرّف تجاهه ينبغي أن تكبح جماح نفسك، وتحزم فورة غضبها لئلا يكون وقع كلماتك عامل هدم وإساءة إضافية، كمن يصب الزيت على النار.



فالشخصية السويّة هي التي تفكر مليّاً في ما تريد النطق به أمام الآخرين، وتنطق ريثما تتأكد من سداد الرأي وسلامة الموقف وما يؤدّي إليه من آثار، وهي التي تجعل عقلها وقلبها أمام لسانها، لتضعها في الاعتبار، فتتراجع نسبة الخطأ.. فـ (لسان العاقل وراء قلبه، ولسان الأحمق وراء لسانه) ،كما في الحديث.



كما أن القاعدة التي تجري على ما ننطق به، تجري كذلك على ما نقوم به من أفعال، فعليك أن تتأنى في فعلك، وخصوصاً ذلك الذي تحاكي فيه مشاعر الآخرين، لكيلا تخطئ في حقهم، وعلى الأخصّ في حال ردّ الفعل الذي يصدر منك لقاء مثيرٍ ما، لأن ردّ الفعل عادة ما يكون سريعاً، فأكثر ما تحتاج إليه هو التأني.

فـ (مع التثبّت تكون السلامة ومع العجلة تكون الندامة) .



3. كن عفويّاً

خلال زيارة البعض للجيران أو الأرقاب لا يبالي البعض بما حوله، بحيث يتصرّف تصرفاً لا مسؤول تجاه ممتلكاتهم ومشاعرهم، متنبهاً أكثر من اللزوم وبتكلّف، فيكون في حالة عصبية غير قادر على ضبطها، فيقع في المحذور.. العفوية والانتباه للأمور كما تنتبه لها لنفسك أفضل تصرّف، لتخطي أي عمل قد يؤدي إلى ما لا تود أن تنتهي إليه من الإحراج والاضطرار لتقديم الأعذار.



4. اتخذ من خطئك درساً

فيما لو وقعت في خطأ ما أمام الآخرين، فلا تمرّره مرور الكرام.. بل اتخذ منه معلّماً يشرح إليك كيف كان الخطأ ولماذا، فإن الوقوع في الخطأ يمثل درساً عملياً جليّاً، لأنك أجريت معاينة فعلية، ودفعت ضريبته بالاعتذار.



ما عليك إلا أن تقرّر أن لا تخطئ كالخطأ السابق، كما فعل أحدهم و (نذر) وتعهّد إن أخطأ مرتين بنفس الخطأ، فعليه أن يدفع صدقة للفقراء مقدارها خمسة دنانير، وكان يتذكر دائماً مواقفه وأفعاله، الأمر الذي دعاه للتقليل من أخطائه.



فإنه (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) كما في الحديث، والخطأ الذي تحتاج فيه إلى الاعتذار، يختلف عن الخطأ الذي لا تحتاجه في تلقين الدرس، لأن (الاعتذار منذر ناصح) ، لما يسببه في النفس من ضيق ينفّر عن الخطأ مرة أخرى.



5. تراجع في الوقت المناسب

حينما تشعر أنك سلكت طريقاً في نهايته يقبع الخطأ، الجأ إلى التراجع عن إتمامه، لتسلك طريقاً آمناً..



البعض يتصرّف خطأ عندما يتمسّك برأيه الخاطئ ويشعر أنه متى بدأه فلابد من إتمامه، وإلا سوف يعتقد الآخرون بأنه ذو شخصيّة ضعيفة وليس عند كلمته..إلاّ أن هذا الاعتقاد عين الخطأ، والصواب أن تتوقف إذا اكتشفت أنك لا تسير في الاتجاه الصحيح، حتى لا تقع فريسته، أو فريسة الاعتذار الذي تتحاشاه، لتسلك طريقاً آخر أكثر أماناً وصواباً، فـ (عودك إلى الحقّ خير من تماديك في الباطل) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام.





































المناطق المحرّمة للاعتذار



اعتذارك ليس لأن الطرف المقابل قد غضب منك ولم يرتضِ أفعالك، إنما تعتذر لأنك قمت بخطأ ما، لا لأن الآخرين غضبوا، فقد لا يرضى عنك شخص ويقوم بمخاصمتك، فليس معنى ذلك أنك تحتاج للاعتذار لتعالج انفعاله، وغضبه، فإن الله تعالى لا يريد للإنسان أن يعرّض نفسه للمذلّة، ولا أن يصغّر منها ليرضى الآخرون، بل خلقه كريماً عزيزاً، ويريد أن تستمر معه هذه الكرامة في جميع أحواله، قال تعالى: (وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى‏ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).

فالقيام بعمل يوجب الإعتذار هو بمثابة وضع النفس في حالة الذل، لما يسببه الإعتذار من شعور سيئ..

(لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه، ـ فسئل ـ : بمَ يذل نفسه؟ قال: يدخل فيما يعتذر منه) .

فنفسك عزيزة ليست عندك فحسب، إنما عند الله تعالى أيضاً، ومن حقك أن تحتفظ بها و تصونها من المذلّة أمام الآخرين.

ويعتقد البعض أنك لا بد أن تعتذر دائماً ليرضى عنك من حولك باستمرار، وإلا فأنت مغرور ومتكبّر.. إلا أن صفة الاعتذار الدائم من صفات الشخصية الضعيفة والمهزوزة التي تفقد عزّتها وكرامتها شيئاً فشيئاً، فلا تشعر لنفسها قيمة بعد ذلك.

فهنالك بعض المواضع التي قد يلتبس فيها التصرّف في تقديم الاعتذار أو عدمه ومنها:





لا تعتذر عن غير ذنب

كما ذكرنا سالفاً أن المقياس في اعتذارك وعدمه هو الخطأ وعدمه، وليس رضا الناس وعدم رضاهم، وما لا يفهمه الكثيرون أن سوء التفاهم قد تحلّ عقدته بغير الاعتذار، كأن يقوم بتوضيح المقاصد وتبريد التصرفات، والوصول إلى فهم واضح مشترك.



يقول الإمام علي عليه السلام: (من اعتذر من غير ذنب أوجب على نفسه الذنب) . فما دمت لم تخطئ فلا تعتذر، لتقرّ بأنك ارتكبت الخطأ فتوجبه على نفسك أمام الآخرين.



من لا يحب أن يجد لك عذراً

البعض يتلذذ بسماع كلمات الاعتذار التي توجّه إليه، فيماطل في القبول، والبعض الآخر لا يحب أن يجد لك عذراً لحاجة في نفسه.



إليك هذا المثال.. تأخّر حسن عن حضور حفل زفاف زميله في العمل، بسبب عطل في سيارته، فلم يصل إلا بعد إتمام الزفاف بفترة، وفي صباح اليوم التالي، أصرّ على الذهاب ليبارك لزميله، ويعتذر له عن تأخره، فلم يلاقِ استجابة، إلا أنّه كرر اعتذاره وأسفه وشرح موقفه، لكن زميله أصر على موقفه من عدم قبول العذر.. وقد قام حسن بتكرار اعتذاره بعد أن التحق زميله بالعمل عندما أنهى إجازة الزواج، قلم يلاقِ أي تجاوب..



في هذه الحالة ليس من اللائق أن تتذلل أكثر لمن لا يريد أن يجد لك عذراً، فلا ينبغي أن تستجدي عذراً، وتدفع مقابله الذلّة، فقد قال الإمام علي عليه السلام:(لا تعتذر إلى من يحب أن لا يجد لك عذراً) .







في طاعة الله

قد تؤدي عملاً واجباً أو مستحبّاً في طاعة الله، كالتصدّق على الفقراء بمالك، أو الدعوة إلى الله تعالي، أو ما شابه ذلك، فيغضب منك أحدهم لقاء هذا العمل، فلا مجال في هذه الحالة للاعتذار، فإن رضا الله تعالى أولى من رضا المخلوقين، وكما قال الإمام علي عليه السلام: (لا تعتذر من أمر أطعت الله فيه، فكفى بذلك منقبة) .



بين محذورين

رغم أن الاعتذار من غير ذنب غير محبّذ، إلا أنه قد يكون في مقابله خيار أصعب، وهو خسران عزيز عليك، سواء كان أباً أو أمّاً، أو أخاً وأختاً، أو صديقاً، يحدث ذلك عندما لم ترتكب أي زلّة في حقهم، وتجد نفسك مطالباً بالاعتذار، قد لا يكون اعتذارك أول ما تقوم به، إلا أنك قد تضطر لإبدائه، بعد أن تقدّم شرحاً لموقفك بشكل دقيق وهادئ، فخسران عزيز عليك اشد وطأة على النفس من الاعتذار إليه.









































الاعتذار الناجح



بعد أن تمرّ بالمراحل السابقة وتشخّص الحالة التي أصبحت عليها، وبعد أن خلصت لنتيجة أن الاعتذار هو الفاتورة التي يتوجّب عليك تسديدها، فكّر في الطريق الأمثل لأدائه بنجاح، فإنك لا تحتاج إلى الاعتذار بقدر ما تحتاج إلى أن يلاقي ذلك الاعتذار قبولاً لدى الطرف الآخر.. وإليك بعض المقترحات في سبيل نجاح اعتذارك:



انتظر بعد أن تهدأ العاصفة

إن نفس الإنسان تقبل وترضى بالقليل جداً عندما تكون في حالة من الهدوء والاطمئنان والانبساط، ولا ترضى أبداً في حالة العصبية والغضب والانقباض، فقد يكون الطرف الذي تريد الاعتذار إليه في حالة من الهيجان، في هذه الحالة ينبغي التريّث وقتما تذهب فورة الغضب، لذلك يقول الإمام علي عليه السلام: (لا يقوّم عز الغضب بذلّ الاعتذار) .



أدرك سامي السر أن طلباته لدى مديره لا تلبّى أبداً، وبعد أن فكّر في الأمر اكتشف أنه لا يختار الوقت المناسب في طرح طلبه، وعمد بعد ذلك إلى اختيار وقت إنهاء مكالمة مفرحة للمدير مع زوجته، أو الانتهاء مع مندوب شركة عقد معها صفقة مربحة.. فلاقت طلباته بعد ذلك القبول والترحيب...



والاعتذار ما هو إلا طلب لقبول العذر، فلذلك ينبغي اختيار الوقت المناسب لتقديمه، والوقت الذي تكون فيه النفس هادئة مشرعة أبوابها لتضمّ أي طارق يطرقها..فاختيار الوقت المناسب للاعتذار تشمله قاعدة (من ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه) .



اختر المكان المناسب

للمكان دور أساسي في إضفاء روح الرضا والقبول، فليس ضوضاء الطريق كسكينة المنزل في مفاتحة أحدهم بأمر مهم.

بعد أن أحسّ الجميع بأن حمزة قد انتابته نوبة غضب عارمة، بسبب ما بدر من صديقه، عندما كانا يتجاذبان أطراف الحديث، واعتقدوا أن حمزة وصل إلى أقصى درجات الغضب، بحيث قد يصل لمقاطعة صديقه.. بعد ذلك فكر الصديق في طريقة ليعتذر لحمزة، بعد أن أخبره الجميع بأنها القطيعة، ولن تفلح جهوده.. فما كان من الصديق إلا أن زار حمزة في منزله فرحّب به وقدّم له الشاي، وبينما هما في حديث الترحيب أبدى الصديق لحمزة عن أسفه لما حصل بينهما من مشادّة كلامية وعما بدر منه، بصورة جدّية وصادقة، وتفاجأ بالقبول السريع من حمزة وكأن شيئاً لم يكن..



كن صادقاً

قد تعتذر وتشعر الطرف الآخر بأنك لست كذلك، يحدث هذا عندما لا تكون صادقاً في داخلك ولم تخرج حروف الاعتذار من أعماق قلبك، وقد يكون ذلك لرغبتك في قطع التبريرات المتتالية، فتقطعها بسكين الاعتذار السريع، أو قد تعتذر لأن الآخر يريد منك ذلك، فيأتي اعتذارك حجرياً فظاً لا يحمل معاني الاعتراف بالخطأ وطلب العفو..

الاعتذار هو في الأساس حالة نفسية تتعامل معها النفس الأخرى، لتكوّن تفاعلاً نفسياً مرضياً، فينبغي مراعاتها بالصدق في الأداء، لتقع في القلب المقابل فيرضى فيكلل أداؤك بالنجاح.







اشرح موقفك

أول سؤال يجول في نفس المساء إليه هو، لماذا أسيء إليّ؟

يميل الناس المساء إليهم إلى استماع التبرير المناسب بالإضافة إلى الاعتذار، وهنالك بعض الأخطاء التي لا تحتاج إلى كلمة (أعتذر عما بدر مني) فحسب، بل تحتاج إلى متابعة الشرح لما جرى ليلتئم الجرح، يقول العالم النفساني س. ستايدير الذي ألّف كتابين في هذا المجال: (إن الأعذار تكون أكثر فاعلية عندما تأتي متنكّرة في شكل شروح) .



لا تقدّم الأعذار الواهية

لا تقدّم الأعذار الواهية إن كنت لا تمتلك عذراً مناسباً وحقيقيا ً، فتكون مثالاً لقول المثل: (عذر أقبح من ذنب)، واكتفِ بالاعتذار والاعتراف بالخطأ، فذلك يكون أكثر فاعلية من التمسك بالأعذار التي تسوء الموقف وتزيد الطين بلّة.

انسجام الاعتذار مع الخطأ

قد تقول كلمة (أعتذر) فقط ويكفي ذلك للتعبير عن اعتذارك، وقد تكرره وتهتم بالشروح، وتعوّض ما أتلفته لتحقيق الكفاية لتنجح في تقديمه، إذاً ينبغي قياس الخطأ الذي قمت به لتقدّم اعتذارك حسب ذلك المقدار ليكون منسجماً معه..

صدم عصام طفلاً صغيراً بسيارته، وأصابت الطفل جروح متوسطة، أخلد بسببها إلى المستشفى ليتم علاجه... لم يكتفِ عصام بتقديم الاعتذار لوالدي الطفل، إنما أخذ يراود المستشفى كل يوم ويأخذ معه بعض الهدايا للطفل، أمّا والدا الطفل فلا يريان أنه يحتاج إلى الاعتذار، بل لا بد أن يشكراه لما سببه من رفع معنويات الطفل بفضل زياراته وهداياه.. ويشعران أنه خفف عنهما الكثير من المسؤولية.



اختر طريقة مختلفة

ارتكبت (لينتيا بالدريدج) وهي مؤلفة كتب في آداب السلوك، خطأً لا يغتفر غيّر عاداتها اليومية إلى الأبد. فقد دعتها صديقتها الموظفة في منظمة الأمم المتحدة إلى مأدبة عشاء تكريماً لها ولزوجها (روبرت)، ودعت بعض السفراء. تقول (بالدريدج): كان يشرّفني أن ألبي دعوتها، لكني أخطأت في تسجيل الموعد في مفكرتي. وحين أقيمت المأدبة، كنت و (روبرت) في السينما، وهي لم تع الخطأ الذي ارتكبته إلا في الصباح حين طالعها صوت صديقتها المتأذية عبر الهاتف، تقول: تمنيت في تلك اللحظة أن أموت.



اعتذرت (بالدريدج) على الهاتف، ثم قصدت مكتب صديقتها لطلب المغفرة شخصياً، وبعد ذلك كتبت رسالة اعتذار من أربع صفحات أرسلتها إليها من درزينة ورود. وبعد ستّة أشهر أرسلت ورود أخرى في ذكرى مرور نصف سنة على خطئها.. ومع أن صديقتها عذرتها فإنها اتصلت بها هاتفياً لتقول لها: لقد سامحتك) .



ألحق اعتذارك بزيارة

لعل الاعتذار وحده لا يبدد تلبّدات الغيوم التي سببها الزلل، ولا يحقق الرضا والصفاء بين الطرفين، حتى لو قبل العذر، فلذلك ينبغي متابعة العمل بالزيارات أو المشاركة في الأعمال أو تبادل الآراء في قضيّة ما، أي ممارسة الأعمال الروتينية التي كانت تحدث قبل حدوث الخطأ والاعتذار عنه، لكي لا يحس الطرفان أن هنالك فجوة في العلاقة، ويتم نسيان ما عكر العلاقة.

































قبول العذر































































قبول العذر



أنت هنا في الطرف الآخر من عملية الاعتذار، فيكون الاعتذار موجهاً إليك، نتيجة هفوة ارتكبها أحدهم في حقك، عندئذٍ سوف تصيبك نوبة استياء، لأنك تعرّضت لإهانة أو خسرت بعض ممتلكاتك التي أتلفها أحدهم نتيجة اللاّمبالاة، أو غير ذلك، وعادة ما تكون ردود الفعل في مثل هذه الحالات إحدى ثلاثة انفعالات:

الأولى: الغضب والانتقام.

الثانية: إبداء الغضب دون الانتقام.

الثالثة: التجاوز وغض الطرف.



لاشك أن الانتقام ليس مطلوباً، وليس في صالحك القيام به، نعم لقد تحدّث الإسلام عن القصاص من المسيء، وأخذ العين بالعين، والسن بالسن، لكنه في ذات الوقت شدد في أن يكون أخذك لحقك بدقة متناهية بحيث لا تطغى على المخطئ، كما أنه فضّل العفو على هذه العملية، فقد قال الله تعالى: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) .

وقال رسول الله (ص): (إن امرؤ عيّرك بما فيك فلا تعيّره بما فيه) .



فعدم الانتقام أفضل درجة وأعظم أجراً عند الله تعالى من الانتقام بالمثل، وما بين الانتقام والتجاوز وغض الطرف، حالة وسطى هي الاستياء من الفعل، وعلى أي حال فإن العفو والتسامح هو التصرّف الأمثل، وسمة الشخصية المتميزة المؤمنة.



العفو أقرب للتقوى

قال سبحانه وتعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) . من يقترب من التقوى ترتفع درجته عند الله عز وجلّ، وحينما تبادر بالعفو فإنك تكون اقرب لحالة التقوى وتكون نفسك أطوع لأوامر الله، وأكثر موفقيّة في بلوغ رضا الله عز وجلّ.



العفو سمة الأنبياء

بعد أن لاقى رسول الله (ص) جميع أشكال الأذى والإهانة من قبائل مكة، وكان مستضعفاً فيها أيّما استضعاف، فقد عفا عنهم وأخلى سبيلهم بعد أن تمكّن منهم جميعاً، وأصبحوا تحت قبضته، فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء..)، وقال (ص): (أوصاني ربي بسبع: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، وأن أعفو عمّن ظلمني، وأعطي من حرمني..) .





في العفو لذة

في العفو لذّة لا يشعر بها إلا من كان العفو صفة له، حيث إنه طاعة لله، وأداء لفضل حالة من حالات ردود الفعل تجاه إساءات الآخرين، فعندئذ تتجاوب نفس المسيء مع نفس المتجافي، فيشعر بتلك اللذة تسري في روحه.. يقول المثل الفارسي: (في العفو لذّة لا تجدها في الانتقام) . وهذه حقيقة، حيث إن المنتقم تظل نفسيته متوترة ومضطربة، أمّا العافي عن الناس فتكون نفسه مطمئنة هادئة، تشعر بلذّة هذه الحالة الصحية.



الانتقام من الشيطان

يروى أن رجلاً شتم أحد الصحابة بحضرة النبي (ص) وهو ساكت، فلمّا ابتدأ لينتصر منه – لنفسه – قام رسول الله (ص) وقال مخاطباً له: (إن المَلَك كان يجيب عنك، فلمّا تكلّمت ذهب المَلَك وجاء الشيطان، فلم أكن أجلس في مجلس فيه الشيطان) .



من عفا عفا الله عنه

قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) .

دائماً نبتهل إلى الله عز وجل بالدعاء (اللهم اغفر لنا واعفٌ عنا..) طلباً للعفو والمغفرة لقاء إساءاتنا وتقصيرنا في أداء واجباتنا، وهذا ليس على الله بعزيز، لأن من صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى، الغفّار والرحيم، ومن أراد أن يدخل فيهما فلا بد أن يتحلّى بهما ويعفو عن الناس، ليقابله عز وجل ليس بالعفو وحسب بل بالرحمة أيضاً.

فقد ربط الله تعالى قبوله لتوبة عباده بما يقومون به من العفو عن الناس وتجاوز خطاياهم، فكيف تطلب من الله تعالى ما لا تعطيه إذا احتاجه الآخرون منك وأنت تملكه؟!









من فوائد قبول العذر اجتماعياً



هنالك فوائد أخرى لقبول العذر، تتصل بالجانب الاجتماعي من حياة الإنسان، ولها أهمية كبيرة وتشكل حافزاً قويّاً يجعلك تقبل أعذار الآخرين. وهذه جملة منها..



لكي تستمع بإخاء الناس

عندما يرتكب عشرة أشخاص في حقك عثرات ولم تقبل أعذارهم، فإنك قد خسرت عشرة أشخاص، وبالتالي خسرت الاستمتاع الذي تحصل عليه لقاء صحبتهم، يقول الإمام علي عليه السلام: (اقبل أعذار الناس تستمتع بإخائهم..) .



وقال عليه السلام:(من لم يحتمل زلل الصّديق، مات وحيداً) .

فهل يمكن للإنسان أن يعيش وحيداً في حياته؟ .. لا أحد يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال بالإيجاب، لما نعيه من احتياجاتنا للآخرين في كثير من أمورنا، ومن هنا نبعت الحاجة إلى الصديق وإلى العلاقات الإيجابية بالآخرين، فمن يقدّم العفو والتسامح فإنه يكسب أكثر قدر ممكن من الأحباب والأصدقاء، فأثر التسامح في ذلك أثر بليغ وسريع، يقول تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) .



قبول العذر عزّة

بصفحك وبقبول الأعذار فإنك ترتفع على تلك الهفوات وتعلو على أمثالها.. وكأنك تعتلي كرسي الحكم وتبتّ في أمر من طلب الصفح، وعندما تتغاضى وتسامح فقد أحسنت له، فتصبح بذلك عزيزاً في أنفسهم لأنك ارتفعت درجة من درجات حسن الخلق، وكذلك في الآخرة، كما يقول الرسول (ص): (من عفا عن مظلمة أبدله الله عزّاً في الدنيا والآخرة) .



لكي تؤثّر بإيجابية

إقبل أعذار الناس وقل لهم ما شئت، فلن ينسوه وسيقبلونه برحابة صدر، فبعد أن يتقدّم أحدهم طالباً صفحك ورضاك وعفوك عنه، تستطيع أن تحدّثه بنصيحة توجيهية، فسيكون في ذلك الوقت أكثر تفاعلاً وقبولاً من أي وقت آخر، هذا بالإضافة إلى أنك عندما تريد التأثير في الناس بإيجابية، ينبغي أن تتحمّلهم، لكي لا تخسرهم، فتخسر تأثيرك الإيجابي عليهم وفي الحديث عن الإمام علي عليه السلام تعبيراً عن هذه القاعدة، يقول: (لا يسود من لا يحتمل إخوانه) .



وقد اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل من خدمه، فقال له: اعفُ عنهم تستصلح به قلوبهم .

جاء رجل نصراني إلى الإمام محمد الباقر (ع) يقصد إيذاءه وتجريحه ببذيء الكلام، فقال له: أنت بقر؟

قال: لا أنا باقر.

قال: أنت ابن الطبّاخة؟

قال: ذاك حرفتها.

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيئة؟

قال: إن صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك.

قال: فأسلم النصراني .

فهذا أثر خاصية الحلم والتجاوز عن أخطاء الآخرين، فإن كن صاحب فكرة سليمة فإن حلمك وتسامحك سوف يؤثّر في الطرف الآخر.

وقد نقل عن مارتن لوثر كينغ الذي كان يدعو لتوحيد الله في المسيحية، مقابل من يقول بالتثليث، ينقل عنه أنه كان يستخدم الحلم في تعامله مع إساءات خصومه له، فكان ذات مرة منهمكاً في خطابه، فاستهزأت به إحدى المستأجرات ـ من خصومه ـ فتوجه إليها لوثر كينغ قائلاً: حتى أنتِ يحبك الله!

فأثرت هذه الجملة في عمق المرأة أيّما تأثير، بشكل جعلها تطوي صفحات حياتها السابقة ..



لا تعاجل الخطأ بالعقوبة

عندما تجد نفسك مستاء نتيجة ارتكاب أحدهم خطأ في حقك، فلا تطلق الحكم عليه جزافاً، ولا تسارع في تأنيبه، فلا بد أن تجعل للعفو مساحة في تصرّفاتك، وإذا أردت أن تقوم بردّ فعل سريع فقدّم العفو على الانتقام، فإن أخطأت في عفوك سيكون ذلك أيسر من خطئك في انتقامك، لأن الطرف المقابل قد يكون له عذر فيما فعله تجاهك.

يقول الشاعر:

تأن ولا تعجل بلومك صاحباً

لعلّ له عذراً وأنت تلومُ



بل قد يتراجع عن خطئه ويقدّم لك الاعتذار وطلب الصفح، إشارة لاعترافه بخطئه، قال الإمام الباقر عليه السلام: (الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة) ، ولذلك قال الإمام الحسن عليه السلام: (لا تعاجل الذنب بالعقوبة، واجعل بينهما للاعتذار طريقاً) .

























اقبل العذر



يقول أحد الكتاب: (ترك صديق لي انطباعاً حسناً في عدّة مقابلات أجريت معه حين تقدّم إلى وظيفة جديدة مهمّة، وكل ما تبقى كان لقاء رئيس الشركة.



في السادسة صباحاً انطلق صديقي إلى المدينة لمقابلة الرئيس في السابعة، لكنّه علق في زحمة خانقة وراء جرّار مقطور، وحين وصل أخيراً إلى الفندق الذي نزل فيه رئيس الشركة كان هذا قد غادره من دون أن يترك رسالة، وفي اليوم التالي لم يقبل أي اعتذار، بل قال: كان عليك أن تتحسّب لأي عائق.. ).

علينا أن نتصوّر العواقب التي من الممكن أن تطرأ على المخطئين أو الذين نظن أنهم كذلك، حينما نوصد في وجوههم أبواب قبول العذر، فإن الشخصية المسؤولة هي التي لا تحاسب لما قد تفقده هي فحسب بل تحاسب لما قد يفقده الآخرون، ليوازن بين العمليتين والجناحين اللذين يطير بهما في طرق الحياة.. بين نفسه وبين الآخرين.



في الوقت الذي سوف يخسره رئيس الشركة من وقته، سيخسر الطرف المقابل وظيفة تؤمّن له عيشه وعيش عياله، فعندما لا تبالي بما سيتكبّده الناس جرّاء تأخّرهم أو خطئهم، سيسهل عليك قول: (عليك أن تتحسّب لأي عائق)، كما قال رئيس الشركة.



وللحفاظ على العلاقات مع الناس بشكلها الطبيعي، والاستفادة والإفادة التي تكمّل مسيرة الحياة جاءت الروايات المؤكّدة على قبول العذر من الناس.



يقول الإمام علي عليه السلام: (واقبل العذر ممن اعتذر إليك ولِن لمن جفا عليك) ، بل وحتى لو كان كاذباً، يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: (لا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره، وإن علمت أنه كاذب) . ويقول الإمام علي عليه السلام:(إقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً) .





























السبيل لقبول العذر



(الغضب مفتاح كل شر) كما يقول الإمام الصادق عليه السلام، فهو حالة نفسية تشعل النفس من الداخل وتأثر على حركة الإنسان في الخارج، على حركاته وألفاظه وقراراته، لتفقده توازنه، فيقع في مأزق قد يندم عليه طويلاً، لذا ينبغي قبل اتخاذ قرار قبول العذر أو عدمه التأكد من عدم سيادة حالة الغضب المتهورة على ذلك القرار.



والإنسان يهيج غضباً جرّاء فعل ما يثير استياء نفسه من الدّاخل، فعندما تريد أن تخرج بنتيجة موضوعية إيجابية لابد أن تسكن غيظك وتطفئ ثورة غضبك.

ولقد ذكر علماء الأخلاق أموراً يتوقف عليها إسكان الغضب منها:



1. أزل أسباب الغضب المهيّجة له، مثل الإعجاب بالنفس والتكبّر على الآخرين والتفاخر والمراءاة.

2. تذكّر قبح الغضب وسوء عاقبته.

3. تذكّر مدح دفع الغضب وثوابه، في الحديث: (من كفّ غضبه ستر الله عورته).

4. تفكّر في موقفك بروّية، سواء كان فعلاً أم قولاً، واجعل لك وقتاً محّدداً لإبداء القرار.

5. لا تصاحب الذي يكثر غضبه.

6. تصوّر قبح شكل الغاضب وحركاته.



عندئذ يمكن أن تتخلّص من حالة الهيجان النفسي التي تصاحب الغضب، شيئاً فشيئاً، لكي تتهيأ لقبول أعذار الناس.











ما لا يعذر فيه

لا يعني قبولنا لأعذار الناس أن يكون ذلك بشكل مطلق وبلا حدود، فهنالك حالات لا يعذر فيها، ولا بد أن يكفّر المخطئ عن خطئه بالشكل الذي يستدعيه فعله من دون زيادة.. فقد يكون العفو عنه يشكل مضرّة له أو للآخرين، فقد قال الإمام زين العابدين عليه السلام: (.. وإن علمت أن العفو يضرّ انتصرت، قال تبارك وتعالى: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ) .

وقد يكون الضرر الذي سببه طالب العذر تجاهل حدود الإسلام وأحكام الشريعة، كما يقول الرسول (ص): (تجاوز عن الذنب إن لم يكن حدّاً) . وقد يكون مضرة بالدين وسيادته، كما يقول الإمام علي عليه السلام: (جاز بالحسنة وتجاوز عن السيئة ما لم يكن ثلماً في الدين أو وهناً في سلطان الإسلام) .

وقد يرجع الضرر على المخطئ نفسه مما يساهم في تماديه في كبواته اتجاه الآخرين، كما في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: (العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم) .















دعاء في الاعتذار

دعاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) في الاعتذار من تبعات العباد. وفي فكاك رقبته من النار.

اللّهُمَّ إنّي أعتذِرُ إليكَ ..

مِنْ مظلومٍ ظُلِمَ بِحضرَتي فلْم أنصره.

ومِنْ معروفٍ أُسدِيَ إليّ فَلم أشكرْه.

ومِنْ مُسيءٍ اعتذَرَ إليّ فلَمْ أعذرْه.

ومِنْ ذي فاقةٍ سألَنِي فَلم أوُثِره.

ومِنْ حقِّ ذي حقٍّ لزِمني لمؤمنٍ فلم أوَفّره.

ومِنْ عَيبِ مؤمنٍ ظَهَرَ لي فَلَم أستُره.

ومِنْ كُلِّ إِثْمٍ عَرَضَ لي فَلَمْ أهجُرْه.

أَعتَذِرُ إِليْكَ يا إِلهِي مِنهُنْ ومِنْ نَظَائِرِهِنَّ اعتذارَ نَدامةٍ يَكونُ واعِظاً لِما بَينَ يَدَيَّ مِنْ أَشباهِهِنَّ..

فصلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ.

واجْعلْ ندامَتي عَلى ما وَقَعتُ فيه مِنْ الزّلاتِ، وعزْمي على تَركِ ما يَعرِضُ لي مِنْ السّيئَاتِ، تَوْبَةً تُوجِبُ لي مَحبّتَكَ يا مُحِبَّ التّوّابِينَ .



















الفهرس

..........

..........

..........





































المؤلّف

محمود الموسوي

بني جمرة / البحرين

الموقع الإلكتروني

www.mosawy.org

البريد الإلكتروني

info@mosawy.org

smamood@gmail.com



Imam Hussain Youth Foundation

http://www.imamhussainyouth.org

الجمعة، ٢٧ آب ٢٠١٠

وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهذه أدلة على إيمـان أبـي طـالب الذي مات كافرا، إذا كان موؤمنا ففي من نزل قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (1).

وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة

(كيف يرويه أبو هريرة وكان يوم وفاة أبي طالب شحاذا من متكففي دوس ( باليمن ) الكفرة ، يسأل الناس إلحافا ، ويكتنفه البؤس من جوانبه ، وما ألم بالاسلام إلا عام خيبر سنة سبع من الهجرة الشريفة باتفاق من الجمهور ؟ فأين كان هومن وفاة أبي طالب ، وما دار هنالك من الحديث ؟ فإن صدق في روايته ؟ فهو راو عمن لم ينوه باسمه ، وإن كان تدليس أبي هريرة قد اطرد في موارد كثيرة روى أشياء ادعى فيها المشاهدة أو دل عليها السياق لكنه لم يشاهد شيئا منها ، ومن أراد الوقوف على هذه وغيرها من أمر أبي هريرة فليراجع كتاب ( أبو هريرة ) لسيدنا المصلح الشريف الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي حياه الله وبياه فقد جمع ذلك فأوعى.)

أيضًا، وقال فيه «قال أبو طالب لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ».

وفي الصحيحين عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله: هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك وينصرك ويغضب لك؟ فقال: «نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».

وفي حديث أبي سعيد لما ذكر عنده قال: «لعله تنفعه شفاعتي فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منهما دماغه» أخرجاه في الصحيحين

أقرأ المقال جيدا وستعلم الاجابة ان كنت تبحث عن الحق

على العموم ( لاإكراه في الدين ) وحشرك الله مع من تحب وترضى وحشرنا نحن الروافض مع من نحب ونرضى



منMounir Abdelkader <arrifke1429@yahoo.fr>

إلى ‫alhham0@gmail.com‬

التاريخ20 أغسطس, 2010 12:41 ص

الموضوعRe : : ‏(وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً)‏‏(النساء/94)‏ .. مؤمن قريش ‏(اني على دين النبي محمد )‏

تم التوقيع بواسطةyahoo.fr

إخفاء التفاصيل 12:41 ص (قبل 11 ساعة)

ألا لعنة الله عليكم يا روافض أهذه أدلة على إيمـان أبـي طـالب الذي مات كافرا، إذا كان موؤمنا ففي من نزل قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (1).

وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا، وقال فيه «قال أبو طالب لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ».

وفي الصحيحين عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله: هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك وينصرك ويغضب لك؟ فقال: «نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».

وفي حديث أبي سعيد لما ذكر عنده قال: «لعله تنفعه شفاعتي فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منهما دماغه» أخرجاه في الصحيحين







بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ

وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



(( ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي ، وكان بعده هدى من الظلال

ونوراً من العمى وحبل الله المتين وصراطه المستقيم لا يسبق بقرابةِ في

رحم ولا بسابقة في دين ولا يلحق في منقبةِ من مناقبه يحذو حذو الرسول صلى

الله عليهما وألهما ويقاتل على التأويل ولا تأخذه في الله لومة لائم قد

وتر فيه صناديد العرب وقتل أبطالهم وناهش ذؤبانهم ، وأودع في قلوبهم

أحقاداً بدريةً وخيبريةً وحنينيةً وغيرهن ، فأضبت على عداوته ، وأكبت على

منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين ولما قضى نحبه، وقتله

أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين، لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه

وآله في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرة على مقته، مجتمعة على قطيعة

رحمه، وإقصاء ولده، إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم، فقتل من قتل،

وسبي من سبي، وأقصي من أقصي، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة،

إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، وسبحان

ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ولن يخلف الله وعده، وهو العزيز

الحكيم، ،،،، ))







أدلة إيمـان أبـي طـالب عليه السلام





بسم الله الرحمن الرحيم



(وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً)

(النساء/94)





كيفية التعامل مع الذين يريدون دخول الإسلام

في هذا المقطع الشريف من الآية المباركة تقرير لنداء قرآني ورباني، وحاصل

هذا النداء دعوة الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالتعامل بصدور منشرحة

وبانفتاح ومرونة مع من يريد الدخول إلى الإسلام ولا يكون الإنسان قصير

النظر أو ضيق التفكير فيتعامل مع الآخرين بجدية وخشونة وبالتالي يؤدي إلى

تنفير الناس من الإسلام.



فهداية الناس ليس بالضرورة أن تكون هداية كاملة في مرحلة واحدة، بل قد

تكون الهداية على مراحل وفترات متعددة بحيث في كل مرحلة يؤدي دور معين

ومع التدريج يصل الإنسان إلى النتيجة المطلوبة والكاملة.



ومن هنا ورد في آداب الدين:



"إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبث لا أرض قطع ولا ظهر

أبقى".



ومعنى ذلك أنه يجب عليك أيها الإنسان أن تتوغل في الدين برفق ولا تكلّف

نفسك فوق طاقتها حتى لا تنفر منه نهائياً.



إذن مبدأ التدرج في التعامل مع الآخرين والتدرج في دعوة الآخرين هو مبدأ

ديني من جهة ومبدأ عقلاني من جهة أخرى فالدين الإسلامي دين عقل ومنطق

وصواب.



فالذي يعلن إسلامه لا يكون قد بلغ مرتبة اليقين فهذه المرتبة لا يلقاها

إلاّ الذين صبروا ولا يلقاها إلاّ ذو حظ عظيم.



وبالتالي من يدخل إلى الإسلام يكون قلبه مملوء بالشكوك وبعد التمعن في

الدين تزول هذه الشكوك تدريجياً ويستقر الدين في قلبه.



والقانون الإسلامي لا يفرق بين من كان ظاهر الإسلام ومن كان قلبه مليء

بالإيمان في إطلاق لفظ المسلم عليه فكلاهما سيان في إطلاق الإسلام عليه.

ولهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد عاتب بعض القادة العسكريين

لأنهم قد قتلوا أناس قد أظهروا الإسلام بدعوى أن الإيمان لم يستقر في

قلوبهم.



فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنى لم أؤمر أن أشق قلوب

الناس.



فقالوا: يا رسول الله أنهم لم يؤمنوا الإيمان الحقيقي.



فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألم يشهدوا الشهادتين؟



قالوا: بلى يا رسول الله.



قال صلى الله عليه وآله وسلم: إذن دخل في حوزة الإسلام والمسلمين.



فليس من وظيفة الإنسان ولا من وظيفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن

يدخل قلوب الناس ويعرف مدى إيمانهم بل يكفى الإسلام الظاهري، وقد تختلف

هذه الموازين في الآخرة فرُبّ إنسان في ظاهره إيمان ويتعامل مع المسلمين

وهو كالمسلمين ولكن يوم القيامة يُحشر مع الكافرين وهذا علمها عند رب

العالمين.



طـرق إثبات إسلام المسلم المعاصر:

1) الإقرار بأنه مسلم.



2) الالتزام بظاهر المسلمين العامة.



3) البيّـنة.



طـرق إثبات إسلام المسلم الغير معاصر



من خلال التبحّر في التاريخ نجد أن التاريخ يقبل الروايات في شأن إسلام

الأفراد بدون سند وخبر مثال هو ما يروى عن إسلام أبو سفيان حيث يروى

التاريخ أنه أسلم عام فتح مكة فجاء به العباس بن عبد المطلب وقال له:



أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله.



فتوقف قليلاً فلزّه العباس وقال له ثانية: أما آن لك أن تشهد أن لا إله

إلاّ الله.



فقال له أبو سفيان: لو كان إله غير الله لأغنى عنّا يوم بدر.



فقال العباس: قل أشهد أن لا إله إلا الله، فقالها.



قال العباس: قل أشهد أن محمداً رسول الله.



فقال أبو سفيان: الأولى قلتها والثانية أعفني عنها.



فرد عليه العباس: هذا ليس هو الإسلام وإن لم تقل الثانية دقّ عنقك.



وهذه إحدى طرق قبول إسلام الأفراد ويرويه التاريخ ويقبله والجمهور

ويعتبرونه من أكابر المسلمين!!



والقانون الشرعي الإسلامي يحث على التعامل مع ظاهر الإسلام مادام كان

ملتزماً بضروريات الدين وبالأخص المتفقة عليها مثل التوحيد والنبوة

والميعاد ولكن المختلفة عليها مثل العدل والإمامة من أنكرها لا توجب

كفران المسلم.



إذاً لماذا هذه الهجمة على أبي طالب؟

من أسباب التشكيك في إيمان أبو طالب :

1- كتمان إيمانه:



كان أبو طالب لا يعلن إيمانه حتى يتمكن من الدفاع عن الرسول صلى الله

عليه وآله وسلم كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف، وبتعبير الإمام الصادق

عليهم السلام: كتموا إيمانهم فأثابهم الله سبحانه مرتين ثواب الإيمان

وثواب الكتمان.



2- الحقد على أبي طالب:



فقد كان يرى المشركون والمنافقون أن أبي طالب كان السبب في إقامة الدين

وتقوية وحماية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.



3- الحقد على علي ابن أبي طالب عليه السلام:



فقد صرّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت مبتلى ومبتلٍ

بك.



فقد أبتلى أمير المؤمنين عليه السلام وأبنائه ومحبيه وشيعته بكره

المنافقين والمشركين فقد نسب الكفر إلى أبيه كما نسب صفة الخوارج لمحبيه

وصفة الزنادقة لشيعته.



أدلـة إيمـان أبي طـالب

1- من الأدلة الثابتة على إيمان أبي طالب ما يرويه ابن أبي الحديد من

مصادر الجمهور عن العباس بن عبدالمطلب وعن الخليفة الأول:



"والله ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من

نفسه الرضا فشهد الشهادتين".



2- شهادة أهل البيت عليهم السلام:



الشهادات التي قامت على إيمان وإسلام أبو طالب شهادات كثيرة ويكفيها

فخراً شهادة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.



وقبل التطرق إلى شهادة أهل البيت عليهم السلام لابد من طرح أصل من الأصول

العملية وهو حجية قول أهل البيت عليهم السلام.



لا يمكن لمسلم يعتقد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعتقد بأن أهل

البيت هم كسفينة نوح كما روى ابن حجر من ركبها نجى ومن تخلف عنها هوى

وأنهم ثاني الثقلين بنص حديث الثقلين الذي يرويه أحمد في سنده ثم يأتي

ويقول أن قول أهل البيت ليس حجة.



ومن شهادة علي بن الحسين عليه السلام حيث سأله سائل عن إيمان أبي طالب

وهل مات مشركاً: فقال عليه السلام:



"كيف يكون مشركاً وقد منع الله نبيه أن يفرق مسلمة تحت مشرك".



أي كيف تكون الزوجة المسلمة تحت المشرك؟



فمن الأحكام القانونية إذا أسلمت مسلمة فرّق الإسلام بينها وبين زوجها

المشرك كما فرّق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته زينب من زوجها

أبي العاص بن الربيع عندما أسلمت وبقي هو على كفره ولم ترجع إليه إلاّ

عندما أعلن إسلامه.



فيجيب الإمام السجاد عليه السلام أن لو كان أبو طالب مشرك لفرّق الإسلام

بينه وبين زوجته فاطمة بنت أسد. إذن مَن قَبِل حجية أهل البيت عليهم

السلام فعليه أن يقبل شهادتهم في أيمان أبي طالب في قِبال قول المغيرة بن

شعبة الذي يروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن أبا طالب

في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه.



ولو تأملنا في سند هذه الرواية: فإن المغيرة بن شعبة لا يعتبر ثقة لا في

علم الرجال ولا عند علماء الجرح والتعديل.



مضافاً لذلك إن هناك خلل في سند هذه الرواية: حيث عُرف المغيرة بعدائه

لأهل البيت عليهم السلام ومبغض لعلي عليه السلام وبني هاشم وهذا سبب لعدم

قبول روايته حيث لا يخفى على إنسان أنّ في الفقه الإسلامي في باب القضاء

إذا كان هناك عداوة بين الشاهد والمشهود عليه تسقط شهادة الشاهد وهذا

باتفاق جميع مذاهب المسلمين.



وإذا تأملنا في دلالة الرواية: فإن هذا الأسلوب ليس من أسلوب العرب وهم

المبدعون في البلاغة العربية فكيف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهو الذي لا ينطق عن الهوى أن يأتي بهذا الأسلوب الضعيف. حاشا لرسول

الله.



ومعنى الضحضاح: هو الحويض القليل من النار والعرب لم يرد لهم في اللغة أن

جاءوا بهذا التعبير (نهر من النار).



إذن لا تُقبل بهذه الرواية لا من حيث السند ولا من حيث الدلالة.



بعض الآيات التي قيلت أنها نزلت في شأن أبو طالب

1- البعض قال أن قوله تعالى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ

عَنْهُ)(الأنعام/26). أنها نزلت في أبي طالب.



ولمناقشة هذا القول يجب أن نسأل: ما هو الدليل؟ يقولون: تفسير قتادة.



وهنا نطرح سؤال هل قول قتادة كقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في

القبول؟ هل قول قتادة حجة؟ وهو القائل بأن يزيد مِن أولي الأمر.



وقتادة يروى عن سفيان الثوري الذي قيل عنه في علم الرجال كذاب وضعيف

ويقول عنه آخر مغلط مخلط أي كثير الغلط والخلط.



2- في قوله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ

اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

(القصص56).



والرواية التي تقول أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يتمنى هداية

أبو طالب ولكنه مات كافراً ويستدل بهذه الآية وهذه الرواية يرويها سعيد

ابن المسين.



ونطرح التساءل مرة أخرى: هل قول سعيد حجة؟ وهو الذي قيل له أحضر جنازة

علي أبن الحسين زين العابدين يقول: ركعتان أصليهم خير من تشييع جنازة علي

ابن الحسين. وكان من الناصرين للحجاج.



3- آية: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا

لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا

تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(التوبة/113).



قال فيها بعض المفسرين المقصود من المشركين أبو طالب وأن الرسول كان

يستغفر لأبي طالب.



ويمكن مناقشة هذا الرأي من جهتين:



1- هذا الدليل على العكس، كيف؟ باعتراف الكل أن رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم استغفر لأبي طالب والاستغفار للمشرك غير جائز في الإسلام فكيف

يقدم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي كان يجسّد أحكام

ومفاهيم الله في الوجود ولا يمكن عليه الخطأ والخطيئة على الأقل في

التطبيقات المؤثرة على التشريع.



إذن استغفار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي طالب بذاته دليل على

إيمان أبي طالب عليه السلام.



2- هذه الآية قد وردت في سورة التوبة وقد نزلت هذه الآية في عام 9 هجري

وأبي طالب قد توفي 3 سنوات قبل الهجرة أي بين وفاة أبو طالب ونزول هذه

الآية 12 سنة.



إذن ليس كل من فسر بالرأي أو التزم بطرق التفسير الصحيح أخذ بتفسيره إلاّ

إذا استند إلى آية أخرى، أو اتبع الطرق الصحيحة في التفسير.



مواقف أبو طالب وتصريحاته النثرية والشعرية:



التاريخ ملئ بالتواتر المعنوي عن تصريحات أبو طالب النثرية والشعرية

ومواقفه الدفاعية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الرسالة

الإسلامية.

فمن خلال أبياته الشعرية نلتمس ثبات موقفه وحبّه للرسول صلى الله عليه

وآله وسلم كنبي من أنبياء الله سبحانه وتعالى.



فيقول في أبياته:



يا شـاهـد الله عـليّ فاشـهـد



أنـي عـلى ديـن النـبي أحـمدِ



وفي بيت آخر:



والله لن يصـلوا إليـك بجـمعهم



حـتى أُوسّـد بالتـراب دفـيـنا



فاصدع بأمرك ما عليك غضاضـة



وأبشـر بذاك وقـرّ منك عيونـا



ولقـد عـلمت بأن ديـن محـمد



من خيـر أديـان البـرية دينـا



ألم تعـلموا أن وجدنـا محـمداً



نبيٌ كمـوسى خط في أول الكفد



ومن مواقفه ودفاعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما ألقت قريش على

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العلهج وهو ساجد في الصلاة، فأحضرهم

جميعاً وقبض لحاهم بالدماء وقال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:



أنت النـبي محـمـد



قـرم أغـر مـسـود



لمسـود بـن أكـارم



طـابوا وطاب المـولد



مازالت تنطق بالصواب



وأنـت طـفـل أمـرد



وإصراره وقوله لابنه علي عليه السلام أن يقف بجانب ابن عمه ثم يقول:



إن عـليّـاً وجـعفـراً ثقـتي



عنـد ملّـم الزمـان والنـوب



لا تخـذلا وانصـرا ابن عمكما



أخـي لأمي من بيـنهم وأبـي



تـالله لا أخـذل النـبـي ولا



يخـذلـه من بـني ذو حسـب



وموقفه العظيم حين ينوم ولده علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله

عليه وآله وسلم في قصة الشعب، حتى يحافظ على رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم، لا من حيث الرابطة النسبية فالولد في الرابطة النسبية أقرب من

ابن الأخ، ولكن من حيث الموقف العقائدي الذي يعتقد به أبو طالب حيث يقول

لابنه علي عليه السلام:



أصبر يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب



قد بذلنـا والبلاء شديد لفـداء الحبيب وابن الحبيب



كل حـيّ وإن تمـلّى زمان آخذ من حمام بنصـيب



ويرد عليه علي عليه السلام:



سأسعى بعون الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود