الفرق بين اداء الصلاة واقامة الصلاة
جاء الأمر بالصلاة بصيغة (أقيموا الصلاة)! ولم يأتِ بأداء الصلاة ؟
قال تعالى عن ابراهيم عليه السلام:
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ }، توجد التفاته في الاية على ان اقامة الصلاة جعل الهي وان ابراهيم عليه السلام دعا الله بها في أواخر عمره الشريف وقد بنيت بلدة مكة، والدليل عليه قوله تعالى {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل
أفئدة....الخ}، فهل ياترى ابراهيم عليه السلام لم يكن يصلي قبل هذا ، فهذا محال ،فيدل على ان اقامة الصلاة غير اداء الصلاة .
وقد جاءت صيغة الأمر بالإقامة في القرآن الكريم في أمور عدة، منها: كقوله تعالى في سورة الطلاق: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } . و معنى إقامة الشهادة هنا: الاتيان بالشهادة على اتم وجه
و قوله تعالى في سورة الرحمن: { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ٩}، و معنى إقامة الوزن بالقسط جعل التقييم العادل للأشياء و الحقوق أمراً متبعاً سائداً بين الناس.
{ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ… 13}، و معنى إقامة الدين جعله منهجاً إجتماعياً وسياسيا واقتصاديا
فإقامة الصلاة: تعني تقوى الله و المحافظة على السلوك القيمي و الخشوع و تدبر معاني القرآن، على أن ينعكس ذلك على السلوك والامتثال لأوامر الله و الانتهاء عما نهى عنه: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ… 45}العنكبوت.
قال تعالى : { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }.
فإن الصلاة غايتها هي الاصلاح في الامة عندما يكون هناك اعوجاج وفساد ولكن هؤلاء الأغبياء الذين لم يعرفوا السر والعلاقة بين الصلاة وترك المنكرات، كانوا يسخرون من شعيب وكانوا يقولون له: أهذه الأذكار والأوراد والحركات التي تقوم بها تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ونهمل سنة السلف وثقافتنا التقليدية أو أن نسلب اختيارنا من التصرف بأموالنا كيف شئنا؟!
فأن الصلاة توقظ في الإنسان الإحساس بالمسؤولية والتقوى ومخافة الله ومعرفة الحقوق، وتذكره بالله وبمحكمة عدل الله، وتنفض عن قلبه غبار حب الذات وعبادة الذات! وتصرفه عن هذه الدنيا المحدودة والملوثة إلى عالم ما وراء الطبيعة، إلى عالم الصالحات وتزكية النفس، ولذلك فهي تخلصه من الشرك وعبادة الأصنام والتقليد الأعمى للسلف الجاهل وبخس الناس أشياءهم، وعن أنواع الغش والخداع... الخ.
وعلى ضوء ذلك جاء في زيارة الامام الحسين عليه السلام (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ)، فلقد اقام الإمام الحسين (عليه السلام) الصلاة وجعل منها ثورة اصلاحية في الامة عندما ساد فيها الفساد فنشر ثقافة الصلاة ورسالتها الجوهرية، وفلسفتها ومعانيها الحقيقية في المجتمع فكان مصداقا لدعوة ابراهيم عليه السلام.
أما أن يؤدي الفرد الصلاة مع الاستمرار في المعاصي و ارتكاب الفواحش و أكل الحرام فهذه صلاة شكلية و مظهريةً و حركية.
قال صلى الله عليه واله:
((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فلا صلاة له)) و في وقتنا الحاضر فأن السواد الأعظم يؤدي الصلاة و لايقيمها إلا القليل…!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق